{إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (5)}قوله تعالى: {وإِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} أي انصدعت، وتفطرت بالغمام، والغمام مثل السحاب الأبيض. وكذا روى أبو صالح عن ابن عباس.وروى عن علي عليه السلام قال: تشق من المجرة. وقال: المجرة باب السماء. وهذا من أشراط الساعة وعلاماتها. {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} أي سمعت، وحق لها أن تسمع. روى معناه عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن» أي ما استمع الله لشيء قال الشاعر:صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به *** وإن ذكرت بسوء عندهم أذنواأي سمعوا.وقال قعنب ابن أم صاحب:إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا *** وما هم أذنوا من صالح دفنواوقيل: المعنى وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق.وقال الضحاك: حقت: أطاعت، وحق لها أن تطيع ربها، لأنه خلقها، يقال: فلان محقوق بكذا. وطاعة السماء: بمعنى أنها لا تمتنع مما أراد الله بها، ولا يبعد خلق الحياة فيها حتى تطيع وتجيب.وقال قتادة: حق لها أن تفعل ذلك، ومنه قول كثير:فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا *** وحقت لها العتبى لدينا وقلتقوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أي بسطت ودكت جبالها. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تمد مد الأديم» لان الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه وامتد واستوى. قال ابن عباس وابن مسعود: ويزاد وسعتها كذا وكذا، لوقوف الخلائق عليها للحساب حتى لا يكون لاحد من البشر إلا موضع قدمه، لكثرة الخلائق فيها. وقد مضى في سورة إبراهيم أن الأرض تبدل بأرض أخرى وهي الساهرة في قول ابن عباس على ما تقدم عنه. {وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ} أي أخرجت أمواتها، وتخلت عنهم.وقال ابن جبير: ألقت ما في بطنها من الموتى، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء.وقيل: ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها، وتخلت منها. أي خلا جوفها، فليس في بطنها شي، وذلك يؤذن بعظم الامر، كما تلقى الحامل ما في بطنها عند الشدة.وقيل: تخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها.وقيل: ألقت ما استودعت، وتخلت مما استحفظت، لان الله تعالى استودعها عباده أحياء وأمواتا، وأستحفظها بلاده مزارعة وأقواتا. {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها} أي في إلقاء موتاها {وَحُقَّتْ} أي وحق لها أن تسمع أمره. وأختلف في جواب إِذَا فقال الفراء: أَذِنَتْ. والواو زائدة، وكذلك وَأَلْقَتْ. ابن الأنباري: قال بعض المفسرين: جواب إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ أَذِنَتْ، وزعم أن الواو مقحمة وهذا غلط، لان العرب لا تقحم الواو إلا مع حتى، وإذا كقوله تعالى: {حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها} [الزمر: 71] ومع لما كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ} [الصافات: 104- 103] معناه نادَيْناهُ والواو لا تقحم مع غير هذين.وقيل: الجواب فاء مضمرة كأنه قال: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ف يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ.وقيل: جوابها ما دل عليه فَمُلاقِيهِ أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه.وقيل: فيه تقديم وتأخير، أي يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ. قاله المبرد. وعنه أيضا: الجواب فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ وهو قول الكسائي، أي إذا السماء انشقت فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا. قال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح ما قيل فيه وأحسنه. قيل: هو بمعنى اذكر إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ.وقيل: الجواب محذوف لعلم المخاطبين به، أي إذا كانت هذه الأشياء علم المكذبون بالبعث ضلالتهم وخسرانهم.وقيل: تقدم منهم سؤال عن وقت القيامة، فقيل لهم: إذا ظهرت أشراطها كانت القيامة، فرأيتم عاقبة تكذيبكم بها. والقرآن كالآية الواحدة في دلالة البعض على البعض. وعن الحسن: إن قوله إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ قسم. والجمهور على خلاف قوله من أنه خبر وليس بقسم.